كم
كان شعوراً رائعاً ذاك الذى غمرنى وانا وسط تلكَ الجموع نهتفُ بحناجر
ابداً لم تكل ابداً لم تتوقف عن ترديد " الشعب يريد إسقاط النظام ",سقط
مئات الشهداء وجُرِحَ الألوف وما زادنا إلا إصراراً وشعوراً برغبةٍ للثأْر
وذاك الشعور الرائع مازال يغمرنى ويزداد شيئاً فشيئا حتى كان الخِطابُ الذى
زفَ الينا خبر تنحى الطاغية حينها كانت تغمرنى كل معانى النشوة بالنصرِ,
كل معانى الحرية بعد الأسرِ, كل أْفراح من فقدوا الأْعزة على أعتاب القصرِ,
وراحة قلوب من لم يجدوا قبور الأْبناء لأْنهم فى أْعماق البحرِ. ومن بين
تلك المشاعر إنساب كضوءٍ خافت شعور بالخجل أْتى يدقُ باب فرحتى ليُذكرُنى
أنى بنهاية العام التاسع بعد الألفين كنتُ بصددِ إصدار أول ديوان شعر لى
وكنت قد هممت أن أجعل قصيدتى " تعلمت فى مصر" من بين قصائده إلا أننى
إستشرت صديقاً يعمل بالمحاماة فنصحنى ألا أضعها بديوان الشعر لأنها قد تكون
سبباً لإعتقالى , وأسفاً أقولُها أنى رضخت
لنصيحتهِ خوفاً من سجنٍ قد ألِجَهُ او تربية أبناءٍ قد لا أستطيعها,ناسياً
او متناسياً أْن أسالُ نفسى مِن ربى يوسف الصديق وهو يتيم الأم وبعيداً عن
الأب؟ مَن ربى عيسى إبن مريم وهو بلا أْب؟ مَن ربى محمد إبن عبد الله يتيم
الأبوين؟ تناسيتُ أن أساْل نفسى ما الفرق بين سجنٍ باتساع حجرة أو سجنٍ
باتساع دولة ؟ الأن فقط أدركت , وأحمد الله أنى صرعت خوفى وبثورة الحق قد
شاركت , وسطَرتُ مع جموع الشعبِ بمدادِ الحريةِ عِلماً أبدَ الدهرِ لا
يُفنَى , ورغم نشوة النصر وتطهير النفس من الشعور بالقهر أود أن أخبركم ما
قد تعلمتُ فى عصر الظلم :
تعلمتُ فى مصر كيف الخضوع
لحكمِ الطغاةِ تعلمت ذُل الخنوع
تعلمت أْن ربى له صلاة قد لا تُرى
أما هُم فصلاتى لهم جهراً فى خشوع
تعلمتُ أنهم ليسوا كما البشرِ
بل يحكمون ويكنزون وللرعاع الجوع
كيف نغضبُ أو حتى كيف نتمتم
أكان يوماً للغنمِ حقُ إختيار الربوع
تعلمتُ فى مصرَ طعم مرارة القهرِ
وكيف يوأد الرحيق فى داخل الزهرِ
فحتى يرضى ربنا عن سادتنا
كلا منا عروس تلقى فى قاع النهرِ
تعلمت كيف ينمو الغضب فى الصدرِ
حين ترى سادتنا قد أخذوا أموال الأيتامِ
والارامل والفقراء مساكين الدهرِ
المُهمشين المُستباحين والمُبَاحين
المُستضعفين المُضعَفين لينثروها على
صدور نساءٍ مهنتها العهرِ
تعلمتُ أن للمال محرابٌ عظيم
قبلته تلك البنوك فى بلاد الغربِ
يسجد به الخسيس واللئيم
وقربانه دماء من السلب والنهبٍ
فسطوته ترهب حكام بلادنا
وهو كذلك فى كل بلاد العربٍ
فهو مقدم على الولد على الوطن
على الدين حتى على الربٍ
تعلمت كيف يفر الأبناء من الأمِ
يَهدِرونَ أرواحهم فى قاعِ البحرِ
وكأن بقائهُم على أرضها كأسيرٍ
فى يد عدوٍ ظالمٍ ينتظرُ النحرِ
كفريسةٍ ترجو الفرار بعمرها
من كاسرٍ مرابطٍ على باب الجحرِ
تعلمت وتعلمت يا أرضاً احببتُها
فانتِ معنى المولِدُ والنشأة والقبر
لا العيب عيبك يا أرض الأنبياء
وليس ذنبك شيمة حكام هذا الدهرِ
وليس يَشينُ النبيل يوماٍ ثوباٍ
اذا لطخهُ وضيعُ الشأنِ بالعذَرِ
فصَبرُكِ صبرُ القوىُ على البلاء
فاْمدينى بقليلٍ من هذا الصبرِ.
والأن بعد ثورة الحق أستطيع اْن أقول:
مداد
الصبرِ يا مصرقد نضبْ وهبت الجموع فى جمعة الغضبِ , أمام أسلحة الطغاة
صدور عارية ولكن قلوبها من الذهبِ , ارعبت جبابرة الظلم فولََوا فرارا وهم يلملمون الذنبِ , دُمتَ يا شعب مصر حراً وعدت يا مصر قلب العربِ.
ملحوظة للناشر
ارجو
كتابة اسمى خالد حسنى لان هذا الاسم هو ما دأبت على كتابته على
اعمالى.بالاضافة الى انى لا اعلم كيف اضيف سيرتى الذاتية فى خانة التعريف
بالكاتب
خالد حسنى
كاتب وشاعر مصرى
مدير عام دار النشر بلوم بريس- القاهرة